باب واسع للمغفرة ومنحة إلهية تمحو الذنوب وترفع الدرجات

 

 

العلماء: صيامه يكفر عامين .. والدعاء والذكر أفضل القربات

يأتى الحج هذا العام، والقلوب تبكى قبل الأعين بعد أن حبس العذر والوباء ملايين المشتاقين من أداء الفريضة، واقتصر الأمر على النزر اليسير من المقيمين بالأراضي المقدسة، والذين يستعدون هذه الأيام لبدء المناسك والمشاعر، والصعود إلى جبل عرفات، حيث ركن الحج الأعظم، ف يوم عرفة هو خير يوم طلعت عليه شمس الدنيا، وهو يوم الدعاء .. ويوم اكتمال الدين…واليوم المشهود الذي يباهي الله فيه ملائكة السماء بعباده الوقوف فى مشهد عرفات.

 

وبمناسبة هذا اليوم العظيم، يطالب علماء الدين، المسلمين فى شتى البقاع بالتقرب إلى الله عز وجل والتضرع إليه سبحانه وتعالى ب الدعاء برفع الوباء ، وأن يحفظ البلاد والعباد من كل سوء، مؤكدين أنه إذا كان الوباء قد حال بيننا وبين أداء فريضة الحج بالأعداد المعهودة كل عام، فإن ذلك يحتم علينا اغتنام أبواب الخير والطاعات فى هذه الأيام المباركة، خاصة يوم عرفة .

فى البداية يقول الدكتور حامد أبو طالب الأستاذ بجامعة الأزهر: يأتى يوم عرفة هذا العام والأمة تعاني وباء شديدا وجائحة عظمى، وقفت فيها كبريات الدول مكتوفة الأيدى، وعجزت عن الوصول إلى أسبابها والسبل الناجعة لعلاجها أكثر المعامل والأبحاث تقدما، وكأنها رسالة من رب السماء إلى أهل الأرض أن عودوا إلى خالقكم وتضرعوا إليه أن يرفع عنكم هذا البلاء والوباء، ويرشدكم إلى سبيل النجاة والخلاص مما أصابكم.
ويضيف أنه إذا كنا بحاجة إلى الرجوع إلى الله واستغفاره والتوسل إليه بالدعاء، فليس هناك أفضل من هذه الأيام المباركة التى نعيشها اليوم (العشر الأولى من ذى الحجة)، ولا سيما يوم عرفة ، ذلك اليوم الفريد بالعام كله، فلهذا اليوم قدر عظيم لما فيه من سعة رحمة الله ومغفرته ذنوب عباده وعتقهم من النيران، فهو يوم مغفرة الذنوب، والتجاوز عنها، والعتق من النار، والمباهاة بأهل الموقف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من يومٍ أكثرُ من أن يعتِقَ اللهُ فيه عبيدًا من النَّارِ من يومِ عرفةَ، وأنه لَيدنو، ثم يباهى بهم الملائكةَ فيقول: ما أراد هؤلاءِ؟ اشهَدوا ملائكتى أنى قد غفرتُ لهم». لذا فقد عظم الله أجر صيام هذا اليوم وجعله سببا فى مغفرة عامين كاملين، كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: «صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده». لذلك كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم فى الحديث: «ما رُئِيَ الشَّيطانُ يَومًا هو فيه أصغَرُ، ولا أدحَرُ، ولا أحقَرُ، ولا أغيَظُ منه يَومَ عَرَفةَ، وما ذاك إلَّا لِمَا يَرى مِن تَنزُّلِ الرَّحمةِ، وتَجاوُزِ اللهِ عنِ الذُّنوبِ العِظامِ».

 

أفضل الدعاء

ويوضح د.حامد أن يوم عرفة هو يوم دعاء وابتهال إلى الله، وحَرِيّ بالمسلم أن يتعرّض لنفحات الله، ورحماته، فيُكثر من الدعاء، ومن ذلك الدعاء الذي ورد عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (خيرُ الدُّعاءِ يومُ عرفةَ، و خيرُ ما قلتُ أنا و النَّبيون من قبلي: لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، له الملكُ، وله الحمدُ، و هو على كلِّ شيءٍ قديرٌ). وفضل الدعاء فى هذا اليوم ليس خاصّاً بمَن هم فى عرفة، وإنّما يشمل المسلمين جميعهم فى كلّ مكان. وفى يوم عرفات يسن الإكثار من التكبير بعد كل صلاة بدءا من بعد صلاة الفجر، فضلا عن استحباب التكبير منذ مطلع العشر الأول من ذى الحجة، فقد كان ابن عمر وأبو هريرة رضى الله عنهما يخرجان إلى السوق فيكبران ويكبر الناس على تكبيرهما.

فى سياق متصل، تقول الدكتورة أمانى محمود عبد الصمد الباحثة بمجمع البحوث الإسلامية إن منزلة يوم عرفة تعود إلى كونه أحد الأيام العشرة من ذى الحجة التي أقسم الله بها فى كتابه العزيز: (وَلَيَالٍ عَشْرٍ). وهذه الأعمال بالإجمال مفضلة على غيرها من أيام السنة. قال النبي صلى الله عليه وسلم: »ما من عمل أزكى عند الله – عز وجل- ولا أعظم أجرا من خير يعمله في عشر الأضحى. قيل: ولا الجهاد فى سبيل الله عز وجل. قال: ولا الجهاد فى سبيل الله -عز وجل- إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء»، و يوم عرفة أحد هذه الأيام العظيمة، بل وأفضلها بلا شك.

وتعود أفضلية يوم عرفة أيضا إلى أن الله سبحانه وتعالى أتم فيه النعمة على المؤمنين، قال عمر بن الخطاب – رضى الله عنه- إن رجلا من اليهود قال: يا أمير المؤمنين آية فى كتابكم تقرؤونها، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا، قال: أي آية؟ قال (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا) قال عمر رضى الله عنه: قد عرفنا ذلك اليوم الذي نزلت فيه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو قائم بعرفة يوم الجمعة.

وتضيف د.أمانى أن فى هذا اليوم المبارك ( يوم عرفة ) يباهى ربنا تبارك وتعالى بأهل عرفة أهل السماء من الملائكة. يقول: النبى صلى الله عليه وسلم: (إن الله يباهى بأهل عرفات أهل السماء). ف يوم عرفة يوم مبارك جمعت فيه فضائل عديدة، فعلى المؤمن أن ينتهز فرصة ما تبقى من أيام ذى الحجة الأول المباركة، خصوصاً يوم عرفة ويشغلها بالصيام والدعاء والاستغفار والصدقة وصلة الرحم والسؤال عن ذوى القربى، وغيرها من الأعمال الصالحة.

 

عيد أهل الموقف

من جانبه يوضح الدكتور ناصر محمود وهدان ـ أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة العريش ـ أن يوم عرفة يُعَدّ من أيّام العيد بالنسبة إلى حُجّاج البيت الحرام؛ وذلك لأهميته فى إتمام الشعيرة، فهو رُكن الحَجّ الأعظم؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الحجُّ عرفةَ)، وقال أيضا: (يومُ عرفةَ ويومُ النَّحرِ وأيَّامُ التَّشريقِ عيدَنا أَهلَ الإسلامِ، وَهيَ أيَّامُ أَكلٍ وشربٍ).

ويشير إلى أن أهم الأعمال التي ينبغي مراعاتها فى يوم عرفة : الصيام، خاصة أن أجر الصيام على الله، وورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (ما من عبد يصوم يوماً في سبيل الله إلّا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفاً)، وصيام يوم عرفة كما هو معلوم يكفر ذنوب سنتين.

وكذلك الصلاة، بالحرص على أدائها في وقتها وفي جماعة ما أمكن، والإكثار من السنن، مع حفظ الحواس عن الحرام، حيث قال -صلى الله عليه وسلم: ( يوم عرفة ، هذا يوم من ملك فيه سمعه وبصره ولسانه غُفر له)، والمداومة على الأذكار، خاصة الباقيات الصالحات: (سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلّا الله، والله أكبر)، والإكثار من دعاء العتق من النار، حيث كان على بن أبى طالب رضى الله عنه يردد في يوم عرفة : (اللهم أعتق رقبتي من النار).

وفى رسالة للمشتاقين للحج ـ نافلة أو فريضة ـ الذين حيل بينهم وبين الأداء بسبب الوباء أو غيره، يقول د.وهدان: إذا كنا صادقين حقا فى شوقنا ورغبتنا فى أداء الفريضة، فلنعلم أولا أنه لا شيء فى كون الله إلا بمراد الله عز وجل، ولنعلم أيضا أنه (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها)، و(لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها)، فالله كتب علينا الوباء، به حرم من أداء شعيرة الحج الأغنياء والفقراء على السواء، لكن فضل الله باق فى غيرها من الطاعات والعبادات والمنح الربانية، ليؤكد مدى صدق نياتنا وإخلاصنا مع الله، ولعل يوم عرفة ـ فضلا عما تبقى من عشر ذى الحجة ـ بمثابة اختبار لذلك، فهو منحة سنوية عظيمة ترفع الدرجات وتمحو ذنوب عامين، إذ يغفر الله فى هذا اليوم ما لا، يغفره فى غيره. فالله، يمن الله عز وجل علينا بالجود والكرم وتتسع رحمته وغفرانه للجميع، فلا نبخل نحن على أنفسنا ولا على إخواننا، بل ينبغى أن نتحلى بهذا الخلق العظيم: الجود والكرم والعفو والغفران مع خلق الله، وأن نأخذ بأيدى إخواننا المحتاجين والفقراء والمعوزين، لاسيما ونحن مقبلون على عيد الأضحى، حيث التوسعة على الأهل والجيران والفقراء لإدخال الفرحة والبهجة والسرور على الجميع وتحقيق التكافل الاجتماعى الذى يدعو إليه إسلامنا الحنيف، فنحن ـ بل العالم كله ـ يمر بمحنة زلزلت اقتصادات العالم، فما بالنا بالفقراء والمحتاجين ومحدودى الدخل!

ويدعو وهدان إلى التأسي بأسلافنا الأوائل فى أعمال يوم عرفة ، فقد كان السلف الصالح يحرصون على استغلال هذا اليوم المبارك فى التقرُّب إلى الله بالعمل الصالح، والصدقة، ونحوها؛ وكان الأغنياء يتوسعون فى الصدقات بكل صورها، لاسيما أنه يوم يأتى بعده العيد، ويُروى أنّ حكيم بن حزام أعتق يوم عرفة مائة رقبة، ووزّع مائة بُدنة، ومائة شاة، وكان كثير منهم يَستحيون من الله – تعالي- فى هذا الموقف، ويرجونه ألّا يردّ الناس بسببهم.

نقلا عن صحيفة الأهرام




close