مغربي وجزائري وجد وابن وحفيد.. تعرف على مفارقات شيوخ الأزهر

 

 

رغم عراقة الأزهر وتأثيره في العالم الإسلامي ليس فقط على المستوى الديني بل والسياسي والاجتماعي أيضاً، فإن منصب “شيخ الأزهر” لم يظهر إلا بعد مرور 741 عامًا من تاريخ إنشائه، وتحديدًا عام 1101 هـ عندما تولي المنصب لأول مرة الشيخ محمد الخراشي عن عمر يناهز الثمانين عامًا.

سمي بالخراشي نسبة إلى قريته التي وُلد بها، قرية أبو خراش، التابعة لمركز شبراخيت، بمحافظة البحيرة، كان يلقب بـ”شيخ الإسلام”، تلقى الشيخ تعليمه على يد نخبة من العلماء والأعلام، مثل والده الشيخ جمال الدين عبد الله بن علي الخراشي الذي غرس فيه حبًّا للعلم وتطلعًا للمعرفة، كما تلقى العلم على يد الشيخ العلامة إبراهيم اللقاني، وكلاهما – الشيخ اللقاني ووالده الخراشي – تلقى معارفه وروى عن الشيخ سالم السنهوري عن النجم الغيطي عن شيخ الإسلام زكريا الأنصاري عن الحافظ ابن حجر العسقلاني بسنده عن البخاري، ترك للأزهر الشريف قبل وفاته 20 مؤلفًا
.

ومنذ نشأته ظل منصب شيخ الأزهر يُنتخب من جانب كبار المشايخ فيما بينهم ودون تدخل الدولة، إلا أنه في عام 1911 صدر قانون الأزهر المؤسس الذي أُسست وفقًا له “هيئة كبار العلماء” وتتكون من 30 عالمًا من كبار علماء الأزهر.

واشترط هذا القانون أن يكون شيخ الأزهر عضوًا بهذه الهيئة، وكان التجاوز الوحيد عن هذا القانون قد جاء من جانب الملك فاروق عام 1945، حينما قام بتعيين الشيخ مصطفى عبد الرازق، رغم أنه لم يكن حينئذ عضوًا في جماعة كبار العلماء.

وفي عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وتحديدًا في عام 1961 صدر القانون رقم 103 ، الذي ألغى “جماعة كبار العلماء” وحوّلها إلى “مجمع البحوث الإسلامية” الذي تكون من 50 عضوًا على الأكثر، ومنذ ذلك الحين صار شيخ الأزهر يعيَّن قانونًا من بين أعضاء مجمع البحوث الإسلامية بقرار من رئيس جمهورية مصر العربية.

وهو ما فتح الباب لتدخل السلطة خاصة رئيس الدولة في اختيار وتعيين شيخ الأزهر.

شهد اختيار مشايخ الأزهر الكثير من المفارقات، من أبرزها أن جميع من تولوا المنصب كانوا مصريين ما عدا الشيخ حسن العطار الذي تولى المشيخة عام م1830 وهو من أصل مغربي، وقد وُلد ونشأ في مصر، كان والد الإمام العطار عطَّارًا، فنُسِبَ الإمام إلى مهنة أبيه.

نشأ في كنف والده الشيخ محمد كتن، وكان عطَّارًا فقيرًا مُلِمًّا ببعض العلوم وعلى ثقافة جيِّدة، فكان يستصحب ابنه معه إلى حانوته ويعلِّمه البيع والشراء ويرسله في قضاء حاجاته، ومنذ أن كان الإمام العطار طفلاً كان حادَّ الذكاء مشغوفًا بالعلم، فكانت تأخذه الغيرة حين يرى أقرانه من الأطفال يترددون على الأزهر لحفظ القرآن الكريم وللدراسة، فكان يتردد خِفْيَة إلى الأزهر حتى حفظ القرآن الكريم في مدة يسيرة، وعَلِمَ أبوه بأمره، فأعانه على التعليم، والحقه بالأزهر.

وكذلك الشيخ محمد الخضر الذي تولّى منصب شيخ الأزهر وهو تونسي المولد جزائري الأصل، نشأ في أسرة علم وأدب من جهتي الأب والأم، وكانت بلدة نفطة بتونس، التي ولد فيها موطن العلم والعلماء، حتى إنها كانت تلقب بالكوفة الصغرى، وبها جوامع ومساجد كثيرة، وهي واحة بها زرع وفيها فلاحون.

ولما حفظ الشيخ القرآن الكريم وهو صغير وبرع في علوم المعقول والمنقول تولى عدد من المناصب في بلاده تونس، ثم رحل إلى بلاد الشام فترة، ولما سقطت في أيدي الفرنسيين رحل إلى مصر، وفي مصر حصل على عضوية هيئة كبار العلماء برسالته “القياس في اللغة العربية”، ثم اختير شيخًا للأزهر في 26 ذي الحجة 1371هـ.

ومن المواقف الجليلة له استقالته من منصبه عام 1954م احتجاجًا علي إلغاء القضاء الشرعي ودمجه في القضاء المدني.

وتوّلى الشيخ حسن القويسني إمامة الأزهر وهو كفيف البصر، حفظ القرآن الكريم في قريته ثم تقدم للأزهر واندمج مع طلابه، ويلاحظ أن الدراسة وقتها كانت تابعة لإرادة الطالب وظروفه، فهو الذي يختار الحلقة ويختار شيخه الذي سيدرس عليه مع ترتيب جدولي للمواد والكتب.

اختاره الوالي وبإجماع العلماء وعدم وجود من يملأ الفراغ بعد الشيخ العطار إلا الشيخ القويسني، وهذا يدل على مكانته العلمية، ورغم أنه كان فقيرًا معدمًا، وأراد الوالي أن ينعم عليه بشيء من متاع الدنيا فأبت نفسه ذلك.

في حين كان جد الشيخ محمد العباس المهدي نصرانيًا وأسلم، كان المهدي كان من أفذاذ علماء الأزهر في عهد الخديو إسماعيل، فقد تولى مشيخة الجامع الأزهر وإفتاء الديار المصرية في سنة 1287 هـ ، وعلى يده بدأ إصلاح الأزهر، وفي عهده أنشأ نظام الامتحان لتخريج العلماء، وكان إليه المرجع في تعيين القضاة الشرعيين وفي كل ما تقره الحكومة مما له مساس بالمسائل الشرعية.

ونال عند الخديو إسماعيل احترامًا كبيرًا ومنزلة عظمة ، وقلده سنة 1872 علاوة على مشيخة الأزهر والإفتاء عضوية المجلس الخصوصي العالي -مجلس الوزراء آنذاك- للنظر فيما له مساس بالأحكام الشرعية من الشئون، أي أنه صار من وزراء الدولة، وهي ميزة لم ينلها العلماء من بعد.

أما الموقف الأبرز في تاريخ مشايخ الأزهر فهو تولي هذا المنصب الرفيع ثلاثة مشايخ من أسرة واحدة، في سابقة لم تحدث من قبل، وهم الشيخ أحمد العروسي (1778 – 1793)، وابنه الشيخ محمد أحمد العروسي (1818 – 1829)، والشيخ مصطفي محمد أحمد العروسي (1864 – 1870).

ويعتبر الشيخ محمد مصطفي المراغي هو أصغر من توّلى إمامة الأزهر الشريف عن عمر يناهز 47 عامًا، وكان والده على قسط من الثقافة، ويتمتع بسمعة طيبة ومنزلة كريمة في الوسط الذي يعيش فيه، فدفع ابنه إلى حفظ القرآن الكريم، ولقَّنه نصيبًا من المعارف الدينية، وظهرت نجابته فأرسله أبوه إلى الأزهر ليكمل تعليمه فيه، فتلقى العلوم على يد كبار مشايخه.

قدم لامتحان العَالِمية وهو في الرابعة والعشرين من عمره فنالها بتقدير الدرجة الثانية، وكان الشيخ محمد عبده هو الذي يمتحنه في شهادة العَالِمية، فلاحظ أن الشيخ المراغي مريض، فلما انتهى الامتحان قال له: “لاحظت أنك محموم ولكنك كنت فوق الإجازة”، وظهرت النتيجة وكان المراغي أول زملائه في النجاح، وقد دعاه الشيخ محمد عبده إلى منزله تكريمًا له.

المصدر : الأهرام




close