ورد في الحديث الشريف عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «إنَّ إبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ، فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْت كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْت شَيْئًا، ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْته حَتَّى فَرَّقْت بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ، فَيَلْتَزِمُهُ»[1] أي: يضمه إلى نفسه ويعانقه.
وجاء في (البداية والنهاية 63/1) للإمام ابن كثير:
«وله عرش على وجه البحر، وهو جالس عليه، ويبعث سَرَايَاهُ يُلْقُونَ بين النَّاسِ الشَّرَّ والفِتَنَ… ولهذا لما قال النبي صلى الله عليه وسلم لابن صياد ما ترى قال أرى عرشا على الماء. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اخسأ فلن تعدو قدرك، فعرف أن مادة مكاشفته التي كاشفه بها شيطانية مستمدة من إبليس الذي هو يشاهد عرشه على البحر، ولهذا قال له اخسأ فلن تعدو قدرك، أي لن تجاوز قيمتك الدنية الخسيسة الحقيرة.
والدليل على أن عرش إبليس على البحر ما رواه الامام أحمد: حدثنا أبو المغيرة حدثنا صفوان حدثني معاذ التميمي عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عرش إبليس في البحر يبعث سراياه في كل يوم يفتنون الناس فأعظمهم عنده منزلة أعظمهم فتنة للناس.
وقال أحمد: حدثنا روح حدثنا ابن جريج، أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: عرش إبليس على البحر يبعث سراياه فيفتنون الناس فأعظمهم عنده أعظمهم فتنة».
ويقول أيضًا المباركفوري في (مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح 149/1):
«قوله: (إن إبليس يضع عرشه) أي سرير ملكه (على الماء) وفي رواية على البحر، ومعناه أن مركزه البحر، ومنه يبعث سراياه في نواحي الأرض، فالصحيح حمله على ظاهره، ويكون من جملة تمرده وطغيانه وضع عرشه على الماء، يعني جعله الله تعالى قادرًا عليه استدراجًا ليغتر بأن له عرشًا كعرش الرحمن، كما في قوله تعالى: {وكان عرشه على الماء}[11: 7]، ويغر بعض السالكين الجاهلين بالله أنه الرحمن كما وقع لبعض الصوفية على ما ذكر في النفحات الإنسية، ويؤيده قصة ابن صياد حيث قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أرى عرشًا على الماء. فقال له صلى الله عليه وسلم: ترى عرش إبليس. وقيل عبر عن استيلائه على إغوائه الخلق وتسلطه على إضلالهم بهذه العبارة».
وأما كون هذا العرش في مثلث برمودا أو غيره، فهذا من الغيب الذي لا سبيل إلى الاطلاع عليه إلا بالخبر الصادق من الكتاب والسنة، ولم نقف على شيء يُفيد تحديد ذلك.
والمؤمن لا يشغله تحديد مكان هذا العرش وموقعه، وإنما يشغله كيف ينجو من الشيطان وحبائله، وكيف يكون من عباد الله المخلصين الذين قال الله فيهم: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ}[ الحجر:42].
[1] رواه مسلم 2813.