وبشر الصابرين
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما المراد بالصابرين فى قوله تعالى {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب”؟
الجواب
الصبر فى اللغة إمساك فى ضيق، أى امتناع عن شىء مع معاناة، والصبر المحمود شرعا هو حبس النفس على ما يقتضيه العقل والشرع، أو عما يقتضيان حبسها عنه، وهو لفظ عام يُفسر معناه بحسب اختلاف مواقعه من الآيات والسور، وقد ورد بمشتقاته فى القرآن أكثر من مائة مرة، وتدور معانيه حول ثلاثة أمور:
أولها: الصبر على المصيبة، وهو المشار إليه فى قوله تعالى: {وبشر الصابرين. الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون} البقرة: 155، 156.
وثانيها: الصبر على الطاعة، بمعنى تحمل ما يكون فيها من تعب يقصد به تهذيب النفس وترويضها على تخطى العقبات، كالصبر على الجوع والعطش فى الصيام، وقد جاء فيه “الصوم نصف الصبر” كما رواه ابن ماجه، وجاء أيضا عن شهر رمضان “وهو شهر الصبر والصبر ثوابه الجنة” رواه ابن خزيمة فى صحيحه، ومنه الصبر على مشاق الحج وعلى أداء الصلوات فى أوقاتها، وعلى الجهاد فى سبيل الله، وعلى قضاء مصالح المسلمين وعلى طلب العلم وكسب العيش، يقول الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون} آل عمران: 200.
وثالثها: الصبر عن المعصية أى عن المحرمات، ذلك أن النفس لها مطالب ونزعات، وقد حرَّم الله بعضها لأن فى التحريم خيرا لها ولغيرها، كالتعدى على الحرمات وتناول المسكرات والاختلاس وغيرها، فالذى يمنع نفسه عنها يسمى صابرا عن المعصية، وفى هذا الصبر معاناة شديدة، لأنها معركة مع أعدى الأعداء وأخطر الخصماء، وهى النفس التى بين الجنبين، مع الشيطان الذى قرر الله أنه عدو مبين.
والامتناع عن هوى النفس وإغواء الشيطان فى ظاهرة عمل سلبى لكنه فى الحقيقة عمل إيجابى كبير، وهو ليس استسلاما للواقع ولو كان مرًّا، إنما هو نقطة انطلاق إلى الأمام من أجل العمل الطيب. وعلى الصبر بأنواعه الثلاثة يمكن حمل النصوص من القرآن والسنة عليها، وهى كثيرة {أولئك يجزون الغرفة بما صبروا} الفرقان:75