بمجرد وصول النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة المنورة، تسارع أهل المدينة المنورة ليتجاذبوا لجام ناقة الحبيب صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله، وليظفر بشرف استضافة رسول الله في بيوتهم، ووقف سادة يثرب كل بدوره أمام ناقة النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقولون له: “أقم عندنا يا رسول الله ففي العَدَدِ والعُدَدِ والمَنَعَةِ”، فيقول لهم الحبيب: “دعوها فإنها مأمورة”، أي مأموره بالوقوف في المكان الذي سينزل فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وظلت الناقة تسير في شوارع يثرب تمر على البيوت، حتى وصلت إلى ساحة خلاء أمام بين أبي أيوب الأنصاري، وبركت فيها، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام وعلى آله لم ينزل عنها، فما لبثت أن وثبت وانطلقت تمشي، والرسول مرخ لها زمامها، ثم ما لبثت أن عادت أدراجها وبركت في مبركها الأول.
فأسرع أبو أيوب الأنصاري يجري فرحًا مهللًا يستقبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرحبًا به، وحمل متاع الحبيب صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأسرع بها إلى بيته، ودموع الفرح تملأ عينيه.
كان بيت أبو أيوب الأنصاري مكون من طابقين، وكان أهله يسكنون في الدور العلوي، فأخلاه وطلب من أهله النزول للدور الأرضي حتى ينزل فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن الحبيب آثر أن يقيم في الدور الأرضي حتى يكون أهل أبو أيوب الأنصاري على راحتهم في الحركة، فوافق أبو أيوب الأنصاري مضطرًا.
وصعد أبو أيوب إلى الدور العلوي ولكنه لم يستطع النوم تلك الليلة، حرجًا من كونه ينام في مكان أعلى من المكان الذي ينام فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وفي الليل وقعت جرة ماء في غرفة أبو أيوب الانصاري فسال المال، فقام هو وزوجته أم أيوب مسرعين لينظفانه بغطاء كانا ينامان فيه خشية أن يصل إلى رسول الله منه شيء.
وفي الصباح ذهب أبو أيوب إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأخذ يلح عليه ويرجوه أن ينتقل إلى الطابق العلوي، فاستجاب النبي، لرجائه.
وظل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مقيمًا في بيت أبي أيوب لمدة 7 أشهر حتى انتهى من بناء المسجد النبوي الشريف، وبناء حجرة له ولزوجاته بجواره، وبذلك أصبح أبو أيوب الأنصاري جارًا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم.
ويقع منزل أبو أيوب الأنصاري جنوب شرق المسجد النبوي الشريف، وشمال المنزل يوجد زقاق ضيق، ويعرف باسم “زقاق الحبشة”، أما جنوب المنزل فيوجد منزل جعفر الصادق، واسمه اليوم “دار نائب المحرم”، ويوجد طريق من الناحية الغربية، ومن الناحية الشرقية منزل البالي.
ويقال إن هذه الدار قبل أن تكون لأبي أيوب الأنصاري بناها “تبع” ملك حمير وكان اسمه “تبان أسعد بن كلكيكرب”، وهو من التبابعة، وذلك لما مر بالمدينة المنورة وكان معه أربعمائة عالم متفقين ألا يخرجوا من المدينة المنورة فسألهم “تبع” عن سر ذلك الاتفاق فقالوا: “إنا نجد في كتابنا أن نبياً اسمه “محمد” أو “أحمد” هذه دار هجرته فنحن نقيم هنا لعلنا نلقاه فنؤمن به نحن أو أولادنا، فأراد “تبع” أن يقيم معهم فبنى لكل واحد من العلماء الأربعمائة دارًا واشترى له جارية وزوجها منه ثم أعطى كل واحد منهم مالاً جزيلاً وكتب كتاباً فيه إسلامه جاء فيه ما نصه حرفياً:
شهدت على أحمـد أنـه ** رسول من الله باري النسم
فلو مد عمري إلى عمره ** لكنت وزيراً له وابن عـم
وختمه بالذهب وأعطاه إلى كبير العلماء، وسأله أن يدفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم إن أدركه هو أو أولاده أو أولاد أولاده، وبنى للنبي صلى الله عليه وآله وسلم داراً ينزلها إذا قدم المدينة المنورة، فتم توارث هذه الدار للملوك من العلماء وأبنائهم إلى أن صارت في ملك أبي أيوب الأنصاري الذي نزل عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو من أولاد العلماء الذين تولوا حكم المدينة المنورة.
وبعد وفاة أبو أيوب الأنصاري الدار آلت هذه الدار إلى مولاه ” أفلح ” وأن أفلح هذا باعها إلى المغيرة بن عبد الرحمن بألف دينار، ثم اشتراها الملك شهاب الدين غازي ابن الملك العادل أخي نور الدين الشهير وبناها مدرسة سميت بالمدرسة الشهابية نسبة إليه.
وفي أواخر القرن الثالث عشر الهجري أعيد بناؤها بصفة مسجد ولا تزال إلى الآن بهذا الشكل وتعرف باسم “زاوية الجنيد”.