ما الحكمة في أن الله سبحانه وتعالى لم يبين عدد أصحاب الكهف

السؤال :

ما الحكمة في أن الله سبحانه وتعالى لم يبين عدد أصحاب الكهف، ومن هم أصحاب الكهف وما قصتهم ؟

الجواب :
ما الحكمة في أن الله سبحانه وتعالى لم يبين عددهم؟ فنقول: إن الله تعالى قد أشار إلى بيان عددهم في قوله: ﴿سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ﴾، فهذه الآية تدل على أنهم سبعة وثامنهم كلبهم، لأن الله تعالى أبطل القولين الأولين، وسكت عن الثالث، فدل على صحته، ﴿سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجماً بالغيب﴾ هذا إبطال هذين القولين، أما الثالث، فقال: ﴿ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم﴾ ولم ينفه الله عز وجل، وأما قوله: ﴿قل ربي أعلم بعدتهم﴾ فلا يعني ذلك أن غير الله لا يعلم به، أو لا يعلم بها، أي: بالعدة، وإنما يراد بذلك أن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم لا يعلم من الغيب إلا ما علمه الله سبحانه وتعالى، ويكون في ذلك إرشاد للنبي صلى الله عليه وسلم أن يفوض الأمر إلى الله، ولو كان المعنى: لا يعلم عدتهم أحد، لكان مناقضاً لقوله: ﴿ما يعلمهم إلا قليل﴾ لأن الآية تدل على أن قليلاً من الناس يعلمون عدتهم، وعلى هذا فعدتهم سبعة وثامنهم كلبهم، وهؤلاء السبعة فتية آمنوا بالله عز وجل إيماناً صادقاً، فزادهم الله تعالى الهدى، لأن الله عز وجل إذا علم من عبده الإيمان والاهتداء زاده هدى، كما قال تعالى: ﴿والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم﴾ هؤلاء الفتية كانوا مؤمنين بالله، وزادهم الله تعالى هدى وعلماًَ وتوفيقاً، وكانوا في بلد أهلها مشركون، فآوَوْا إلى كهف، يحتمون به من أولئك المشركين، وكان هذا الكهف وجهه إلى الناحية الشرقية الشمالية، كما يدل على ذلك قوله تعالى: ﴿وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال﴾ وهذا الوجه أقرب ما يكون إلى السلامة من حر الشمس وإلى برودة الجو، بقوا على ذلك ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعاً، والله عز وجل يقلبهم ذات اليمين وذات الشمال في نومهم هذا، وقد ألقى الله الرعب على من أتى إليهم، كما قال تعالى: ﴿لو اطلعت عليهم لوليت منهم فراراً ولملئت منهم رعباً﴾ كل ذلك حماية لهم.

ثم إن هؤلاء القوم بعد هذه المدة الطويلة أيقظهم الله من رقادهم، ولم يتغير منهم شيء، لا في شعورهم، ولا في أظفارهم، ولا في أجسامهم، بل الظاهر -والله أعلم- أنه حتى ما في أجوافهم من الطعام قد بقي على ما هو عليه، لم يجوعوا، ولم يعطشوا، لأنهم لما بعثهم الله عز وحل تساءلوا بينهم، ﴿قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم﴾ وهذا يدل على أنه لم يتغير منهم شيء، وأن ما ذكر من أن أظفارهم زادت، وشعورهم طالت، فهو كذب، لأنه لو كان الأمر هكذا لعرفوا أنهم قد بقوا مدة طويلة، هؤلاء القوم في قصتهم عبرة عظيمة، حيث حماهم الله عز وجل من تسلط أولئك المشركين عليهم، وآواهم في ذلك الغار هذه المدة الطويلة من غير أن يتغير منهم شيء، وجعل سبحانه وتعالى يقلبهم ذات اليمين وذات الشمال لئلا تتأثر الجنوب التي يكون عليها النوم، وحماهم الله عز وجل بكون من اطلع عليهم يولي فراراً ويملأ منهم رعباً، والخلاصة التي تستخلص من هذه القصة هو أن كل من التجأ إلى الله عز وجل، فإن الله تعالى يحميه بأسباب قد يدركها وقد لا يدركها، وهو مصداق قوله تعالى: ﴿إن الله يدافع عن الذين آمنوا﴾ فإن مدافعة الله عن المؤمنين قد تكون بأسباب معلومة، وقد تكون بأسباب مجهولة لهم، فهذا يشدنا إلى أن نحقق الإيمان بالله عز وجل، والقيام بطاعته.




close