في عام غزوة خيبر قام هذا الصحابي الجليل بمبايعة الحبيب المصطفى صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصافحه بيديه، فأخذ عهدًا على نفسه ألا يستخدم يده إلا في كل عمل طيب.
وفي مرة سأل الصحابة الكرام سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا: “يا رسول الله، مالنا إذا كنا عندك رقت قلوبنا، وزهدنا دنيانا، وكأننا نرى الآخرة رأي العين.. حتى إذا خرجنا من عندك، ولقينا أهلنا، وأولادنا، ودنيانا، أنكرنا أنفسنا.؟”.
فأجابهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “والذي نفسي بيده، لو تدومون على حالكم عندي، لصافحتكم الملائكة عيانا، ولكن ساعة.. وساعة”.
وكان هذا الصحابي رضي الله عنه من العاملين بهذه النصيحة النبوية، فكانت الملائكة تصافحة حتى اكتوت يديه فانقطعوا عنه، وعادوا لمصافحته مرة أخرى قبيل وفاته فكانوا يسلمون عليه رضى الله عنه.
إنه الصحابي الجليل عمران بن حصين الذي صدق في إيمانه وأخلص فيه فبلغ هذه المرتبة والكرامة العالية، فعن مطرف بن عبد الله قال: قال لي عمران بن حصين: “إن الذي كان انقطع عني قد رجع- يعني تسليم الملائكة- قال: وقال لي اكتمه علي.
وأخبر عبد الوهاب بن عطاء العجلي قال: أخبرنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن مطرف، قال: أرسل إلي عمران بن حصين في مرضه فقال: إنه كان تسلم علي يعني الملائكة فإن عشت فاكتم علي وإن مت فحدث به إن شئت.
وشهد عمران بن حصين رضي الله عنه العديد من الغزوات، واستقضاه عبد الله بن عامر على البصرة فحكم له بها ثم استعفاه فأعفاه ولم يزل بها حتى مات فى هذه السنة، وقال الحسن البصري وابن سيرين البصرى: “ما قدم البصرة راكب خير منه، وقد كانت الملائكة تسلم عليه فلما اكتوى انقطع عنه سلامهم، ثم عادوا قبل موته بقليل فكانوا يسلمون عليه”.
وتسليم الملائكة على عمران بن حصين أخرجه الإمام مسلم في صحيحه بسنده عن حميد بن هلال عن مطرف قال : قال لي عمران بن حصين أحدثك حديثا عسى الله أن ينفعك به ، إنّ رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم جمع بين حجة وعمرة ثم لم ينه عنه حتى مات ولم ينزل فيه قرآن يحرمه وقد كان يسلم علي حتى اكتويت- يعني تعالج بالكي- فتركت ثم تركت الكي فعاد .
ورواه كذلك الإمام أبو بكر البيهقي في الاعتقاد : وروينا تسليم الملائكة على عمران بن حصين ، وروينا عن جماعة من الصحابة أنّ كل واحد رأى جبريل عليه السلام في صورة دحية الكلبي .
وقال أيضاً في دلائل النبوة : باب ما جاء في رؤية عمران بن حصين الملائكة وتسليمهم عليه ، وذهابهم عنه حين اكتوى ، وعودهم إليه بعد ما تركه .
وفي صحيح مسلم عن عمران قال قد كان يسلم علي حتى اكتويت فتركت الكي فعاد يعني كانت الملائكة تسلم عليه ويراهم عيانا كما جاء مصرحا به في صحيح مسلم .
وتسليم الملائكة على عمران بن الحصين رواه عدد من الحفاظ بألفاظ متعددة منهم أبو نعيم الإصبهاني وابن عبد البر الأندلسي وابن سعد.
وقبيل موته أوصى أهله فقال لهم: “إذا مت فشدوا علي سريري بعمامتي، فإذا رجعتم فانحروا وأطعموا”، وكانت وفاته في سنة اثنتين وخمسين، ودفن بالبصرة حيث مات.