حكم الصلاة في غير اتجاه القبلة

 

ما الحكم إذا صلى المسلم في غير اتجاه القبلة ثم تبين له خطؤه

أولا : مما لا خلاف فيه بين الفقهاء أن التوجه نحو الكعبة في الصلاة شرط من شروط صحة الصلاة للقادر عليه، لقوله تعالى: فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ.
قال القرطبي: لا خلاف بين العلماء أن الكعبة قبلة في كل أفق، وأجمعوا على أن من شاهدها وعاينها فرض عليه استقبالها، وأنه إن ترك استقبالها وهو معاين لها وعالم بجهتها فلا صلاة له، وعليه إعادة كل ما صلى.
وأجمعوا على أن كل من غاب عنها أن يستقبل ناحيتها وشطرها وتلقاءها، فإن خفيت عليه فعليه أن يستدل على ذلك بكل ما يمكنه من النجوم والرياح والجبال وغير ذلك مما يمكن أن يستدل به على ناحيتها.
فإذا صلى المسلم في غير اتجاه القبلة، وتبين له خطؤه فإما أن يتبين له خطؤه أثناء الصلاة، وإما أن يتبين له بعد الصلاة، والجواب على النحو التالي:
أولًا: إذا صلى المسلم في غير اتجاه القبلة ثم تبين له خطؤه أثناء الصلاة: فذهب الحنفية، والمالكية، والحنابلة أنه إذا صلى باجتهاده وعلم ذلك في الصلاة استدار إلى القبلة وبنى عليه، لما روي: «أن أهل قباء لما بلغهم نسخ القبلة وهم في صلاة الفجر استداروا إليها»، وهذا لأنه لما علم بالقبلة صار فرضه التوجه إليها فيستدير؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – استحسن فعل أهل قباء ولم يأمرهم بالإعادة.
وذهب الشافعية إلى التفريق بين اليقين والظن: فلو تيقن الخطأ في أثناء الصلاة بطلت على الأظهر ، ولو ظن الخطأ فالأصح أنه ينحرف ويبني على صلاته .
ثانيًا: إذا صلى المسلم في غير اتجاه القبلة ثم تبين خطؤه بعد الصلاة: فذهب الحنفية، والمالكية، والحنابلة إلى أنه إذا اشتبهت عليه القبلة وليس له من يسأله – أي عن اتجاه القبلة – اجتهد وصلى ولا إعادة عليه.
جاء في الاختيار: ” وإن اشتبهت عليه القبلة وليس له من يسأل اجتهد وصلى، ولا يعيد وإن أخطأ؛ لما روي «أن جماعة من الصحابة اشتبهت عليهم القبلة في ليلة مظلمة، فصلى كل واحد منهم إلى جهة وخط بين يديه خطا، فلما أصبحوا وجدوا الخطوط إلى غير القبلة، فأخبروا بذلك رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال: تمت صلاتكم»، وفي رواية: «لا إعادة عليكم»، ولأن الواجب عليه التوجه إلى جهة التحري إذ التكليف بقدر الوسع .
وذهب الشافعية في الأظهر عندهم إلى أنه لو تيقن الخطأ بعد الفراغ من الصلاة وجبت الإعادة على الأظهر لفوات الاستقبال، وقيل لا يعيد اعتبارًا بما ظنه وقت الفعل؛ لأنه مأمور بالصلاة به .
والرأي المختار: أن من اشتبهت عليه القبلة ولم يجد من يسأله – أي عن اتجاه القبلة – اجتهد وصلى ولا إعادة عليه؛ لأنه مأمور بفعل ما غلب عليه ظنه وقت الفعل، ولأنه حينها صلى عن اجتهاد والقاعدة تقول: الِاجْتِهَاد لَا ينْقض بِالِاجْتِهَادِ حَتَّى لَو صلى أَربع رَكْعَات إِلَى أَربع جِهَات باجتهادات مختلفة فَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ .
والله أعلم




close