حكم إعطاء غير المسلمين من الأضحية

 

من هو القادر على الأضحية؟
سؤال ورد إلى دار الإفتاء المصرية وأجابت عنها قائلة :

 

القادر على الأضحية هو مَن مَلَكَ ما تحصل به الأضحية وكان ما يملكه فاضلًا عمَّا يحتاج إليه للإنفاق على نفسه وأهله وأولاده أو من يلتزم بنفقتهم في يوم العيد وليلته وأيام التشريق الثلاثة ولياليها، ومن شروط الأضحية عند من قال بسنيتها القدرةُ عليها.
قال الإمام النووي في “المجموع” (8/ 385): [مَذْهَبنا أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ فِي حَقِّ الْمُوسِرِ وَلا تَجِبُ عَلَيْهِ] اهـ.

وقال الخطيب الشربيني في “مغني المحتاج” (4/ 283): [قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلا بُدَّ أَنْ تَكُونَ فَاضِلَةً عَنْ حَاجَتِهِ وَحَاجَةِ مَنْ يَمُونُهُ عَلَى مَا سَبَقَ فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ؛ لأَنَّهَا نَوْعُ صَدَقَةٍ. اهـ. وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ يَكْفِي أَنْ تَكُونَ فَاضِلَةً عَمَّا يَحْتَاجُهُ فِي يَوْمِهِ وَلَيْلَتِهِ وَكِسْوَةِ فَصْلِهِ كَمَا مَرَّ فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ، وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ فَاضِلَةً عَنْ يَوْمِ الْعِيدِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَإِنَّهُ وَقْتُهَا، كَمَا أَنَّ يَوْمَ الْعِيدِ وَلَيْلَةَ الْعِيدِ وَقْتُ زَكَاةِ الْفِطْرِ، وَاشْتَرَطُوا فِيهَا أَنْ تَكُونَ فَاضِلَةً عَنْ ذَلِكَ] اهـ.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

هل يجوز إعطاء غير المسلمين من الأضحية:
لا بأس بإعطاء غير المسلمين منها لفقرٍ أو قرابةٍ أو جوارٍ أو تأليفِ قلبٍ؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما المتفق عليه: «صِلِي أُمَّكِ»، ومن المعلوم أن أم أسماء كانت من كفار قريش الوثنيين، وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه المتفق عليه: «في كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ».

 

أفضل وقت لذبح الأضحية:
أفضل وقت لذبح الأضحية هو اليوم الأول وهو يوم الأضحى بعد فراغ الناس من الصلاة؛ لما في ذلك من المسارعة إلى الخير، وقد قال الله تعالى: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران: 133]، والمقصود المسارعة إلى العمل الصالح الذي هو سببٌ للمغفرة والجنة.

ما يستحب قبل التضحية:
يستحب قبل التضحية أمور؛ منها:
1- أن يربط المضحي الأضحية قبل يوم النحر بأيام؛ لما فيه من الاستعداد للقربة وإظهار الرغبة فيها، فيكون له فيه أجر وثواب.
2- أن يقلدها ويـُجَلِّلها قياسًا على الهدي؛ لأن ذلك يشعر بتعظيمها؛ قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ [الحج: 32]، والتقليد: تعليق شيء في عنق الحيوان ليعلم أنه هدي أو أضحية، والتجليل: إلباس الدابة “الجل” بضم الجيم، ويجوز فتحها مع تشديد اللام، وهو ما تغطى به الدابة لصيانتها.
3- أن يسوقها إلى مكان الذبح سوقًا جميلًا لا عنيفًا ولا يجر برجلها إليه؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ اللهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ» أخرجه مسلم.
4- إمساك المضحي عن قص شعره وأظفاره من ليلة الأول من ذي الحجة حتى يضحي؛ لحديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا رَأيْتُمْ هِلالَ ذِي الْحِجَّةِ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعرِهِ وأظْفَارِهِ» أخرجه مسلم.
5- أن يذبح المضحي بنفسه إن قدر عليه؛ لأنه قربة، فإن لم يحسن الذبح فالأولى توليته غيره ممن يحسن الذبح، ويستحب في هذه الحالة أن يشهد الأضحية؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة رضي الله عنها: «يَا فَاطِمَةُ، قُومِي إِلَى أُضْحِيَّتِكِ فَاشْهَدِيهَا» أخرجه الحاكم، وقد اتفقت المذاهب على هذا.
6- أن يدعو فيقول: “اللهم منك ولك، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له، وبذلك أمرت، وأنا من المسلمين”؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر فاطمة رضي الله عنها أن تقول: «إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي» أخرجه ابن ماجه، ولحديث جابر رضي الله عنه أنه قال: ذبح النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم الذبح كبشين أقرنين أملحين موجوءين فلما وجههما قال: «إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ عَلَى مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا، وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ مِنْكَ وَلَكَ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ وَأُمَّتِهِ بِاسْمِ اللهِ، وَاللهُ أَكْبَرُ» ثُمَّ ذَبَحَ. أخرجه أبو داود.
ويستحب بعد التسمية التكبير ثلاثًا والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والدعاء بالقبول.

ما يستحب بعد التضحية:
يستحب للمضحي بعد الذبح أمور؛ منها: أن ينتظر حتى تسكن جميع أعضاء الذبيحة فلا يَنخَع -أي: يتجاوز محل الذبح إلى النخاع وهو الخيط الأبيض الذي في داخل العظم-، ولا يسلخ قبل زوال الحياة عن جميع جسدها، وأن يأكل منها ويطعم ويدخر؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنِّي كُنْتُ حَرَّمْتُ لُحُومَ الأَضَاحِيِّ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ؛ فَكُلُوا، وَتَزَوَّدُوا، وَادَّخِرُوا مَا شِئْتُمْ» أخرجه أحمد.
والأفضل في توزيعها ما صح عن ابن عباس رضي الله عنهما في صفة أضحية النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: [ويطعم أهل بيته الثلث، ويطعم فقراء جيرانه الثلث، ويتصدق على السؤَّال بالثلث” رواه أبو موسى الأصفهاني في “الوظائف” وحسنه] اهـ. كما في “المغني” (11/ 109).

النيابة في الأضحية (صك الأضحية):
تصح شرعًا النيابة في ذبح الأضحية إذا كان النائب مسلمًا أو من أهل الكتاب؛ لحديث السيدة فاطمة السابق: «يَا فَاطِمَةُ، قُومِي إِلَى أُضْحِيَّتِكِ فَاشْهَدِيهَا» أخرجه الحاكم، والشاهد من الحديث أن فيه إقرارًا على حكم النيابة.
فيجوز أن ينيب المضحي عن نفسه شخصًا ما في الذبح، وكذلك له أن يوكل من يشتري له الأضحية ويذبحها، وذلك كما انتشر حديثًا مما يسمى بصك الأضحية.

التضحية عن الميت:
إذا أوصى الميت بالتضحية عنه أو وقف وقفًا لذلك جاز بالاتفاق، فإن كانت واجبة بالنذر وغيره وجب على الوارث إنفاذ ذلك، أما إذا لم يوصِ بها فأراد الوارث أو غيره أن يضحي عنه من مال نفسه: فذهب الحنفية والمالكية والحنابلة إلى جواز التضحية عنه، وهذا هو المفتى به، وقال الشافعية: الذبح عن الميت لا يجوز بغير وصية أو وقف.

المفاضلة بين الأضحية والصدقة:
الأضحية أفضل من الصدقة؛ لأنها سنة مؤكدة، وهي شعيرة من شعائر الإسلام.

ذبح الرجل عن نفسه وعن أهل بيته:
الشاة الواحدة تجزئ عن أهل البيت الواحد، فإذا ضحى بها واحد من أهل البيت تأدَّى الشعار والسنة بجميعهم، وهذا مذهب مالك والشافعي وأحمد وإسحاق والأوزاعي.

الاشتراك في الأضحية:
يجوز الاشتراك في الأضحية بشرطين:
الأول: أن تكون الذبيحة من جنس الإبل أو البقر، ولا يجوز الاشتراك في الشياه.
الثاني: البدنة أو البقرة تجزئ عن سبعة بشرط ألا يقل نصيب كل مشترك عن سبع الذبيحة. ويجوز أن تتعدد نيات السبعة، ويجوز أن يتشارك المسلم مع غير المسلم فيها، ولكل منهم نيته؛ لما رواه مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: “نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ؛ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ”.

الأفضل في الأضحية من أنواع الأنعام:
اختلف الفقهاء في الأفضل في الأضحية من أنواع الأنعام على ثلاثة أقوال؛ أرجحها قول السادة المالكية أن الأفضل في الأضحية: الغنم، ثم الإبل، ثم البقر؛ لحديث أنس رضي الله عنه قال: “كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ، وَأَنَا أُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ” رواه الشيخان، وفي قول أنس رضي الله عنه: “كان يضحي” ما يدل على المداومة. “فتح الباري” (12/ 114).




close