لم كان بيت العنكبوت أوهن البيوت ؟

 

قال تعالى : (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لبيت العنكبوت لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) سورة العنكبوت: 4 مازالت هذه الآية تحيِّر العلماء والباحثين، قديمًا وحديثًا، فالقرآن الكريم قد أخبر أن أوهن البيوت على الإطلاق هو بيت العنكبوت، و قد أثبت العلم الحديث أن بيت العنكبوت منسوج من أقوى الخيوط، التي تستطيع مقاومة الرياح العاتية، ويمسك في نسجه فرائس العنكبوت، من الحشرات، التي هي أكبر من العنكبوت دون أن يتخرَّق.
وهذه الحقيقة يستطيع الإنسان أن يكتشفها بنفسه؛ حيث يمكنه بسهولة إزاحة بيت العنكبوت بسبب وزنه الخفيف، ولكن يصعب عليه قطعه، أو تغيير شكله الهندسي الدقيق! وقد جعلت بعض مواقع الإنترنت من الآية الكريمة مصدر طعن حول سلامة القرآن الكريم من الزلل؛ لأن ( خيط العنكبوت ) ليس أوهن الخيوط، بل على العكس هو من أقواها نسبياً).. فـ (خيط الفولاذ مثلاً) أوهن منه.
والسؤال الذي ينبغي أن يسئل هنا هو: كيف يكون بيت العنكبوت أوهن البيوت على الإطلاق، وهو منسوج من أقوى الخيوط على الإطلاق، وأكثرها مرونة؟ وكيف يجتمع في منشأة واحدة الحد الأدنى من الوهن، والحد الأقصى من القوة والمرونة؟.
انك إذا تأملت الآية الكريمة حق تأملها على ضوء ما تقدم، تبيَّن لك أن المعنى المراد منها: إن أوهن البيوت لبيت العنكبوت رغم قوة ومتانة ومرونة خيوطه، التي نسج منها… فالوهن الذي أخبر عنه القرآن الكريم ليس في خيط العنكبوت؛ وإنما هو في البيت، الذي نسج من ذلك الخيط. قال الدكتور محمد الفار أستاذ ورئيس شعبة الكيمياء الحيوية بعلوم المنصورة في مقال له نشر في جريدة الأهرام: “والعجيب أن من هذه الخيوط (القوية) تصنع بيوت العنكبوت (الضعيفة) الواهية والواهنة.
وإلى هذا يشير المولى عز وجل في قوله تعالى: “مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ”. باختصار: لو كان القرآن الكريم من تأليف النبي محمد صلى الله عليه وسلم لما وجد حَرَجاً أن يقول: ” إن أوهن الخيوط لخيط العنكبوت “، فمن كان سيكذبه بحسب معارف ذلك الزمان ؟ وسبحان منزل القرآن !.
لمَ كان بَيْتُ الْعَنكَبُوتِ أوهن البيوت؟
قال تعالى : (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) سورة العنكبوت:4 لنركز فى هذه الآية على قوله تعالى : ( وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت…) هذا النص القرآني المعجز يشير إلي عدد من الحقائق المهمة التي منها:
– الوهن المادي: أن بيت العنكبوت هو من الناحية المادية البحتة أضعف بيت على الإطلاق، لأنه مكون من مجموعة خيوط حريرية غاية في الدقة تتشابك، مع بعضها البعض تاركة مسافات بينية كبيرة في أغلب الأحيان، ولذلك فهي لا تقي حرارة شمس، ولا زمهرير برد، ولا تحدث ظلاً كافياً، ولا تقي من مطر هاطل، ولا من رياح عاصفة، ولا من أخطار المهاجمين، وذلك على الرغم من الإعجاز في بنائها.
– الوهن في بيت العنكبوت وليس في الخيوط: فقوله تعالى ( وإن أوهن البيوت ) فيه إشارة صريحة إلى أن الوهن والضعف في بيت العنكبوت وليس في خيوط العنكبوت وهي إشارة دقيقة جداً… لأن )خيط العنكبوت( ليس أوهن الخيوط، بل على العكس هو من أقواها نسبياً).. فـ (خيط الفولاذ مثلاً) أوهن منه).
– الوهن المعنوي : أن بيت العنكبوت من الناحية المعنوية هو أوهن بيت على الإطلاق لأنه بيت محروم من معاني المودة والرحمة التي يقوم على أساسها كل بيت سعيد، وذلك لأن الأنثي في بعض أنواع العنكبوت تقضي على ذكرها بمجرد إتمام عملية الإخصاب وذلك بقتله وافتراس جسده لأنها أكبر حجما وأكثر شراسة منه، وفي بعض الحالات تلتهم الأنثي صغارها دون أدني رحمة، وفي بعض الأنواع تموت الأنثي بعد إتمام إخصاب بيضها الذي عادة ما تحتضنه في كيس من الحرير، وعندما يفقس البيض تخرج العناكب فتجد نفسها في مكان شديد الازدحام بالأفراد داخل كيس البيض، فيبدأ الإخوة الأشقاء في الاقتتال من أجل الطعام أو من أجل المكان أو من أجلهما معا فيقتل الأخ أخاه وأخته، وتقتل الأخت أختها وأخاها حتي تنتهي المعركة ببقاء عدد قليل من العناكب التي تنسلخ من جلدها، وتمزق جدار كيس البيض لتخرج الواحدة تلو الأخرى، والواحد تلو الآخر بذكريات تعيسه، لينتشر الجميع في البيئة المحيطة وتبدأ كل أنثي في بناء بيتها، ويهلك في الطريق إلي ذلك من يهلك من هذه العنيكبات. ويكرر من ينجو منها نفس المأساة التي تجعل من بيت العنكبوت أكثر البيوت شراسة ووحشية، وانعداما لأواصر القربى، ومن هنا ضرب الله تعالى به المثل في الوهن والضعف لافتقاره إلي أبسط معاني التراحم بين الزوج وزوجه، والأم وصغارها، والأخ وشقيقه وشقيقته، والأخت وأختها وأخيها.! قام أحد العلماء بدراسة طبيعة البيت العنكبوتي من الداخل فوجد أن الذكر بعد أن يقوم بتلقيح الأنثى تقوم الأنثى بافتراسه وتتغذى على لحمه طيلة فترة الحضانة للبيض وبعد أن يفقس البيض تتغذى اليرقات على أضعفها ثم بعد أن يقوى ويشتد عود ما تبقى من الصغار تقوم بأكل أمها لأنها أصبحت أضعف الموجود ثم يلقح الذكر الأنثى ثم تقوم بأكله وهكذا دواليك.
ومن هنا فإن الضعف في بيت العنكبوت في ضعف الترابط الأسري بين أعضائه.
إن هذه الحقائق المدهشة تدفعنا للتساؤل عن كيفية التوفيق بين وهن البيت في الآية الكريمة وقوة المادة التي يبنى منها، وكيف يجتمع في منشأة واحدة الحد الأدنى من الوهن والهشاشة والحد الأقصى من القوة والمرونة. إن وصف بيت العنكبوت بأنه أوهن البيوت فيه دلالة واضحة على إعجاز القرآن وأنه من عند الله، حيث لم يقل القرآن خيط العنكبوت أو نسيج العنكبوت، لأن الخيط بذاته له صفات خاصة تجعله من الخيوط القوية، وهذا ما بيناه في هذا المقال، وإنما قال بيت العنكبوت، ولعل التفريق بين وهن البيت وقوة المادة التي يبني منها يثبته استعمال الآية الكريمة لكلمة ) بيت ( وليس ) خيطاً ( أو شبكة)، ليبقى القرآن يسطر لنا آيات وبينات معجزة، تخرس لها الألسن الحداد، وتذهل لها العقول المنصفة.




close