تحل اليوم، الثلاثاء، ذكرى استشهاد سيدنا الحسين –رضى الله عنه- في معركة «كربلاء»، التى كانت مأساة مروعة أدمت قلوب المسلمين وهزت مشاعرهم في كل مكان وحركت عواطفهم نحو آل البيت، وقتل أصحاب الحسين -رضي الله عنه وعنهم- كلهم فى هذه المعركة والتى وقعت على مدار ثلاثة أيام وانتهت يوم 10 محرم سنة 61 للهجرة والذي يوافق 12 أكتوبر 680 م.
كما أن البعض يعترضون على الاحتفال بيوم عاشوراء لأنه اليوم الذى قتل فيه سيدنا الحسين عليه السلام، وهذا الكلام ليس صحيحا، فبالرغم من صحة الواقعة ومقتل الحسين فى هذا اليوم، لكن الشرع لم يطلب منا أن نقيم المآتم فى ذكرى وفاة أولياء الله الصالحين والمرسلين والأنبيا، ولكننا نحتفل بالمعانى الدينية فى يوم عاشوراء وليس بموت سيدنا الحسين، كما أننا نحتفل بمولد النبى صلى الله عليه وسلم، حيث إنه كان نعمة كبرى للعالم، وقدومه إلى هذه الدنيا، كما أن النبى صلى الله عليه وسلم مات يوم أن ولد، فالاحتفال ليس بوفاته ولكن بقدومه إلى الدنيا”.
أشار العلماء إلى أن الخلافة استقرت لمعاوية بن أبي سفيان في سنة 41هـ، بعد أن تنازل له الحسن بن على بن أبي طالب عن الخلافة، وبايعه هو وأخوه الحسين -رضي الله عنهما- وتبعهما الناس؛ وذلك حرصًا من الحسن على حقن الدماء وتوحيد الكلمة والصف، وقد أثنى الناس كثيرًا على صنع الحسن، وأطلقوا على العام الذي سعى فيه بالصلح “عام الجماعة”، وحقق بهذا المسعى الطيب نبوءة جده الكريم محمد وقولته: “ابني هذا سيد، ولعل الله يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين”.
وكان الحسن والحسين يترددان على معاوية في دمشق فيكرمهما ويحسن وفادتهما، ويعرف لهما قدرهما ومكانتهما، ولما مات الحسن ظل أخوه الحسين يفد كل عام إلى معاوية؛ فيحسن استقباله ويبالغ في إكرامه، وظل الحسين وفيًّا لبيعته، ويرى في الخروج على طاعة معاوية نقضًا لبيعته له، ولم يستجب لرغبة أهل الكوفة في هذا الشأن، بل إن الحسين اشترك في الجيش الذي بعثه معاوية لغزو القسطنطينية بقيادة ابنه “يزيد” في سنة 49هـ.
ولكن فاجأ “معاوية بن أبي سفيان” الأمة الإسلامية بترشيح ابنه “يزيد” للخلافة من بعده في وجود عدد من أبناء كبار الصحابة، وبدأ في أخذ البيعة له في حياته، في سائر الأقطار الإسلامية، بالترغيب تارة وبالترهيب تارة أخرى، ولم يعارضه سوى أهل الحجاز، وتركزت المعارضة في الحسين بن علي، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير.
وعندما بلغ أهل العراق أن الحسين لم يبايع يزيد بن معاوية وذلك سنة 60 هـ، فأرسلوا إليه الرسل والكتب يدعونه فيها إلى البيعة، وبلغت الكتب التي وصلت إلى الحسين أكثر من خمسمائة كتاب، عند ذلك أرسل الحسين ابن عمه مسلم بن عقيل ليتقصى الأمور ويتعرف على حقيقة البيعة.
فلما وصل مسلم إلى الكوفة تيقن أن الناس يريدون الحسين فبايعه الناس على بيعة الحسين، وذلك في دار هانئ بن عروة، ولما بلغ الأمر يزيد بن معاوية في الشام أرسل إلى عبيد الله بن زياد، والي البصرة، ليعالج هذه القضية، ويمنع أهل الكوفة من الخروج عليه مع الحسين ولم يأمره بقتل الحسين.
فدخل عبيد الله بن زياد إلى الكوفة وأخذ يتحرى الأمر ويسأل حتى علم أن دار هانئ بن عروة هي مقر مسلم بن عقيل وفيها تتم المبايعة، فخرج مسلم بن عقيل على عبيد الله بن زياد وحاصر قصره بأربعة آلاف من مؤيديه، وذلك في الظهيرة.
قام عبيد الله بن زياد فى أهل الكوفة وخوفهم بجيش الشام ورغبهم ورهبهم فصاروا ينصرفون عنه حتى لم يبق معه إلا ثلاثون رجلا فقط، وما غابت الشمس إلا ومسلم بن عقيل وحده ليس معه أحد فقبض عليه وأمر عبيد الله بن زياد بقتله فطلب منه مسلم أن يرسل رسالة إلى الحسين فأذن له عبيد الله، وهذا نص رسالته: “ارجع بأهلك ولا يغرنّك أهل الكوفة فإن أهل الكوفة قد كذبوك وكذبوني وليس لكاذب رأي”.
ثم أمر عبيد الله بقتل مسلم بن عقيل، وذلك في يوم عرفة، وكان مسلم بن عقيل قبل ذلك قد أرسل إلى الحسين “أن أقدم”، فخرج الحسين من مكة يوم التروية وحاول منعه كثير من الصحابة ونصحوه بعدم الخروج مثل ابن عباس وابن عمر وغيرهم وهذا ابن عمر يقول للحسين: “إني محدثك حديثا: إن جبريل أتى النبي فخيره بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة ولم يرد الدنيا، وإنك بضعة منه، والله لا يليها أحد منكم أبدا وما صرفها الله عنكم إلا للذي هو خير لكم، فأبى أن يرجع، فاعتنقه وبكى وقال: استودعك الله من قتيل”.
وجاء الحسين خبر مسلم بن عقيل عن طريق الذي أرسله مسلم، فانطلق الحسين يسير نحو طريق الشام نحو يزيد، فلقيته الخيول بكربلاء بقيادة عمرو بن سعد وشمر بن ذي الجوشن وحصين بن تميم فنزل يناشدهم الله والإسلام أن يختاروا إحدى ثلاث: أن يسيِّروه إلى أمير المؤمنين يزيد فيضع يده في يده – لأنه يعلم أنه لا يحب قتله – أو أن ينصرف من حيث جاء إلى المدينة أو يلحق بثغر من ثغور المسلمين حتى يتوفاه الله فقالوا: لا، إلا على حكم عبيد الله بن زياد فلما سمع “الحر بن يزيد” ذلك – وهو أحد قادة ابن زياد – قال: ألا تقبلوا من هؤلاء ما يعرضون عليكم والله لو سألكم هذا الترك والديلم ما حلَّ لكم أن تردوه فأبوا إلا على حكم ابن زياد”.
فصرف “الحر” وجه فرسه وانطلق إلى الحسين وأصحابه فظنوا أنه إنما جاء ليقاتلهم، فلما دنا منهم قلب ترسه وسلّم عليهم ثم كرّ على أصحاب ابن زياد فقاتلهم فقتل منهم رجلين ثم قتل رحمة الله عليه.
وكان كل واحد من جيش الكوفة يتمنىَّ لو غيره كفاه قتل الحسين حتى لا يبتلي بدمه (رضي الله عنه)، حتى قام رجل خبيث يقال له شمر بن ذي الجوشن فرمى الحسين برمحه فأسقطه أرضا فاجتمعوا عليه وقتلوه شهيدا سعيدا.
وقتل مع الحسين في كربلاء كثير من آل بيت رسول الله من أولاد علي بن أبي طالب، ومن أولاد الحسين، ومن أولاد الحسن، ومن أولاد عقيل، ومن أولاد عبد الله بن جعفر إضافة إلى الحسين ومسلم بن عقيل (رضي الله عنهم أجمعين).
لم يكن ليزيد يد في قتل الحسين، فقد ذكر أحد المؤرخين أن يزيد بن معاوية لم يأمر بقتل الحسين باتفاق أهل النقل، ولكن كتب إلى ابن زياد أن يمنعه عن ولاية العراق.
ولما بلغ يزيد قتل الحسين أظهر التوجع على ذلك، وظهر البكاء في داره ولم يسب لهم حريما بل أكرم بيته وأجازهم حتى ردهم إلى بلادهم، وأما الروايات التي تقول إنه أهين نساء آل بيت رسول لله وأنهن أخذن إلى الشام مسبيات وأُهِنّ هناك هذا كلام باطل بل كان بنو أمية يعظمون بني هاشم.
بل إن ابن زياد نفسه عندما جيء بنساء الحسين إليه وأهله، وكان أحسن شيء صنعه أن أمر لهن بمنزل من مكان معتزل، وأجرى عليهن رزقا وأمر لهن بنفقة وكسوة، وقال ابن كثير: “والذي يكاد يغلب على الظن أن يزيد لو قدر عليه قبل أن يُقتل لعفا عنه كما أوصاه بذلك أبوه، وكما صرح هو به مخبرا عن نفسه بذلك”.