الحديث
سَمِعْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: لا يَصُومَنَّ أحَدُكُمْ يَومَ الجُمُعَةِ، إلَّا يَوْمًا قَبْلَهُ أوْ بَعْدَهُ.
الراوي : أبو هريرة | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم: 1985 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]
أخرجه البخاري (1985)، ومسلم (1144)، والترمذي (743)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (2756) بنحوه، وأحمد (9284) واللفظ له
شرح الحديث :
لقدْ فصَّلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أحكامَ صِيامِ التَّطوُّعِ، وأوضَحَ الكيفيَّةَ المُناسِبةَ لصِيامِ بَعضِ الأيَّامِ، ومِن ذلِك يومُ الجُمعةِ.
وفي هذا الحَديثِ يَذكُرُ أبو هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نَهى عن صَومِ يَومِ الجُمُعةِ تَطوُّعًا مُنفرِدًا، إلَّا أنْ يَصومَ يَومًا قبْلَه، وهو يومُ الخميسِ، أو يومًا بعْدَه، وهو يومُ السَّبْتِ.
وأيضًا هذا النَّهيُ مَحمولٌ على مَن لم تكُنْ له عادةٌ، كمَن يَصومُ يومًا ويُفطِرُ آخَرَ، أو نذَرَ أنْ يَصومَ يومَ شِفاءِ مَريضِه أبدًا، فوافَقَ يومَ الجُمعةِ؛ لم يُنْهَ عنه.
والحِكمةُ في النَّهيِ عن صِيامِ يومَ الجُمعةِ أنَّه يومُ دُعاءٍ وذِكرٍ وعِبادةٍ؛ مِن الغُسلِ والتَّبكيرِ إلى الصَّلاةِ وانتظارِها، واستماعِ الخُطبةِ، وإكثارِ الذِّكرِ بعْدَها، لقولِ اللهِ تعالَى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا} [الجمعة: 10]،
وغيرِ ذلك مِن العباداتِ في يَومِها؛ فنُهي عن صِيامِه ليَكونَ ذلِك أعوَنَ له على هذه الوَظائفِ وأدائِها بنَشاطٍ وانشراحٍ لها والْتِذاذٍ بها، مِن غَيرِ مَلَلٍ ولا سآمةٍ، وهو نَظيرُ صِيامِ الحاجِّ يومَ عَرَفةَ بعَرَفةَ؛ فإنَّ السُّنَّةَ له الفِطرُ لهذه الحكمةِ، وأنَّه يَحصُلُ له بفَضيلةِ الصَّومِ الَّذي قبْلَه أو بعْدَه ما يُجبِرُ ما قدْ يَحصُلُ مِن فُتورٍ أو تَقصيرٍ في وَظائفِ يومِ الجُمعةِ بسَببِ صَومِه.
ويَحتمِلُ أنْ يكونَ نَهْيُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن صَيامِ يومِ الجُمعةِ خَشيةَ أنْ يَستمِرَّ النَّاسُ على صَومِه، فيُفرَضَ عليهم، كما خَشِيَ مِن صَلاةِ اللَّيلِ، فقَطَعَه لذلك، وخَشِيَ أنْ يَلتزِمَ النَّاسُ مِن تَعظيمِ يومِ الجُمعةِ ما الْتَزَمَه اليهودُ والنَّصارى في يومِ السَّبتِ والأحدِ مِن ترْكِ العَمَلِ والتَّعظيمِ، فأمَرَ بإفطارِه، ورَأى أنَّ قطْعَ الذَّرائعِ أعظَمُ أجرًا مِن إتمامِ ما نَوى صَومَه للهِ. أو لأنَّه يومُ عِيدِ المسلِمينَ.