ما سبب نزول سورة عبس ، حيث إن الأعداء يتهمون رسول الله صلى الله عليه وسلم في أخلاقه منها؟
الجواب :
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد…
فسورة عبس شأنها شأن سور القرآن العظيمة وهي تَرُدُّ على من ينكرون نزول القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم ،ويقولون إنه من تأليفه، فلو كان من تأليفه ما عاتب نفسه في هذه السورة ،وما حدث لا يطعن في رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا في أخلاقه ،فسبب نزولها :أن عبدالله بن أم مكتوم (كان رجلاً ضرير البصر): عَنْ عائشة قالت: أنزل {عَبَسَ وَتَوَلَّى} فِي ابن أم مكتوم الْأَعْمَى، أَتَى إِلَى النَّبِيِّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . أخرجه الحاكم (المستدرك: 2/ 514) وابن جرير (30/ 32) والترمذي (5 / 432 – ح: 3331)
-كان صلّى الله عليه وسلّم حريصًا على إيمان رؤساء مكة وصناديدها طالباً لدعوتهم وإرشادهم ، جلس يوما من الأيام معهم على سبيل الملاينة رجاء أن يوفقوا للإيمان ويرغبوا إلى قبول الدعوة وكان صلّى الله عليه وسلّم يصاحبهم ويداريهم حتى دخل عليه صلى الله عليه وسلّم ابن أم مكتوم رضى الله عنه ولم يدر من هم عنده لفقد بصره، فقال: يا رسول الله علمني مما علمك الله ولم يلتفت صلى الله عليه وسلّم ، واشتغل مع جلسائه الذين كان يدعوهم إلى الله فناداه بما نادى مرة بعد أخرى حتى غضب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وعلينا أن نفهم أنَّ هذا وصف وليس تقييماً ، النص لم يقيّم عمل النبي صلى الله عليه وسلم لكنه وصف ما فعل ، ولا شك أن كل واحد منا إذا كان جالساً مع شخص يُعَلق أهمية كبيرة على إيمانه لأنه من المتبوعين، فإذا آمن آمن من حوله. فالله أراد أن يلفت انتباهنا لشيء في غاية الأهمية أن الذي يطلب الحق هو الذي يسمو عند الله ، والذي يعرض عنه مهما يكن ذا شأن كبير لا وزن له عند الله ،ولذلك أتبعها ربنا بقوله تعالى :
﴿ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى) [ سورة عبس : 3].
فالسورة لا يوجد فيها إشكال ولا طعن في رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن يتضح تعب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدعوة وأنه يريد إسلام الجميع لأن لهم فيه الخير ،فلما كان منشغلاً في هذا طامعاً في إسلامهم وقاطعه ابن أم مكتوم طرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم الطابع البشري كأي بشر ،ومع ذلك فإن الله عاتبه ،فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطيب خاطره دائماً ، يسأله بعد هذا : ” ما حاجَتُك، هَلْ تُرِيدُ مِنْ شَيءٍ؟” وإذا ذهب من عنده قال له: ” هَلْ لكَ حاجَةٌ فِي شَيْء؟ وكان يقول له “مرحبا بمن عاتبني فيه ربي عز وجل”(ابن العربي في “عارضة الأحوذي” 12/232)
نسأل الله – تعالى – أن يفقهنا في ديننا .
والله تعالى أعلى وأعلم.