ثلاثة لا ينظر إليهم الله يوم القيامة

الحديث

ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم، قال أبو معاوية: ولا ينظر إليهم، ولهم عذاب أليم: شيخ زان، وملك كذاب، وعائل مستكبر.
الراوي : أبو هريرة | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم | الصفحة أو الرقم : 107 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]
شرح الحديث
كان النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يحذر أصحابه رضي الله عنهم من سيئ الصفات وقبيح الأعمال، وكان صلى الله عليه وسلم شديد الحرص على كل ما يقربهم من الجنة في الآخرة.
وفي هذا الحديث يخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ثلاثة أنواع من الناس لا «يكلمهم الله يوم القيامة» كلاما يسرهم؛ استهانة بهم وغضبا عليهم، وهذه عقوبة لهم على جرم قد وقعوا فيه، «ولا ينظر إليهم»، وهذه مبالغة في العقوبة؛ فلا ينظر الله إليهم نظرة رحمة فيرحمهم، «ولا يزكيهم»، فلا يطهرهم من ذنوبهم ولا يغسلهم من دناءتهم ولا يغفر لهم، «ولهم عذاب أليم»، أي: فوق كل تلك العقوبات فسوف يدخر الله لهم عذابا عظيما في الآخرة، فيضاعف عليهم العقوبة.
أما الأول: فهو رجل كبير السن قد وقع في فاحشة الزنا، مع أنه قد بلغ من الرشد والعقل وذهاب الشهوة ما يردعه عن ذلك؛ فالشاب قد يكون عنده شهوة ويعجز أن يملك نفسه، لكن الشيخ قد بردت شهوته وزالت أو نقصت كثيرا؛ فالفاحشة ليس لها سبب قوي. ومثله المرأة البالغة العجوز إذا زنت، فمعصية الشيخ والشيخة العجوز معصية تفوق معصية الزنا من الشاب، والزنا كله فاحشة ومن الكبائر، سواء من الشاب أو من الشيخ، لكنه من الشيخ أشد وأعظم.
والنوع الثاني: “ملك كذاب”، أي: كثير الكذب على رعيته؛ خداع لهم في دينهم ودنياهم، ويشمل هذا كل من ولي أمرا من أمور المسلمين فيكذب على رعيته لأجل مصلحة حكمه وشخصه. وفي رواية النسائي: «والإمام الجائر»، أي: الظالم، والكذب حرام، ومن صفات المنافقين من الملك وغير الملك، لكنه من الملك أعظم وأشد؛ لأنه لا حاجة إلى أن يكذب؛ فكلمته بين الناس هي العليا، فيجب عليه أن يكون صريحا صادقا فيما يعدهم به.
والنوع الثالث: «عائل» أي: ذو عيال، وهذا كناية عن كونه فقيرا، ولكنه على ما فيه من فقر، فهو متكبر، ولا سبب يجعله يتكبر، بل كان الأحرى به التواضع لله وبين الناس؛ لأن الفقر يوجب للإنسان أن يتواضع، ويحتمل المعنى: أن الفقير له عيال، ولا يقدر على تحصيل نفقتهم وكسوتهم ويجوعهم، وتكبره هذا يجعله لا يأخذ الزكاة والصدقة ولا يقبل أموال الناس، أو لا يعمل عملا؛ لأنه يرى أن هذا العمل ممتهن له، فمن كانت هذه صفته وقع في الإثم؛ لإيصال ضرر الجوع والعري إلى عياله، ومرجع ذلك كله هو ما عنده من كبر، والكبر حرام من الغني ومن الفقير، لكنه من الفقير أشد؛ ولهذا تجد الناس إذا رأوا غنيا متواضعا استغربوا ذلك منه، واستعظموا ذلك منه؛ لأن العادة فيه التكبر.
وقد خصص المذكورون بالوعيد؛ لأن كلا منهم التزم المعصية مع عدم ضرورته إليها، وضعف داعيتها عنده، فأشبه إقدامهم عليها المعاندة والاستخفاف بحق الله، وقصد معصيته لا لحاجة غيرها.
وذكر هؤلاء الأصناف الثلاثة في هذا الحديث لا يعني الحصر، ولا يمنع من وجود أصناف أخرى استحقت نفس العذاب، كالمسبل إزاره، والذي يحلف ليروج سلعته ويبيعها، والمنان، كما في صحيح مسلم من حديث أبي ذر رضي الله عنه.

وفي الحديث: إثبات صفة الكلام والبصر لله عز وجل على الوجه اللائق به جل جلاله، من غير تشبيه ولا تمثيل ولا تكييف؛ فإن لم يكلم الأصناف الثلاثة ولم ينظر إليهم، فهو يكلم غيرهم وينظر إليهم.
وفيه: التحذير من الزنا والكذب والتكبر.




close