ما حكم التعزية على المقابر؟
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي الأمين، وبعد...
فإن التعزية سنة مستحبة، وتعني: تسلية المحزون ومشاطرته الحزن وتصبيره على بولاه. وقد فعلها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبر بها.
روى الشيخان في صحيحيهما؛ البخاري (2/ 79)، ومسلم (2/ 635) بسندهما ـ واللفظ للبخاري ـ عن أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: أَرْسَلَتِ ابْنَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِ إِنَّ ابْنًا لِي قُبِضَ، فَأْتِنَا، فَأَرْسَلَ يُقْرِئُ السَّلاَمَ، وَيَقُولُ: «إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ، وَلَهُ مَا أَعْطَى، وَكُلٌّ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى، فَلْتَصْبِرْ، وَلْتَحْتَسِبْ»
وأخرج ابن أبي شيبة في مسنده (1/ 88) بسنده عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَيُعَزِّي النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا مِنْ بَعْدِي لِلتَّعْزِيَةِ بِي» ، فَكَانَ النَّاسُ يَقُولُونَ: مَا هَذَا؟، فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، يُعَزِّي بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقال ابن قدامة في المغني (2/ 405):
قال: "(وَيُسْتَحَبُّ تَعْزِيَةُ أَهْلِ الْمَيِّتِ) لَا نَعْلَمُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خِلَافًا، إلَّا أَنَّ الثَّوْرِيَّ قَالَ: لَا تُسْتَحَبُّ التَّعْزِيَةُ بَعْدَ الدَّفْنِ؛ لِأَنَّهُ خَاتِمَةُ أَمْرِهِ".
ـــ أما العزاء على المقابر فقد تناوله الفقهاء عند الحديث عن وقت التعزية، وجمهور الفقهاء على أنه لا بأس به، خلافا للحنفية، ورواية عن أحمد بالكراهة، وعند المالكية بأنه ليس من الأدب.
قال السُّغدي الحنفي في النتف في الفتاوى (1/ 131):
" وَيكرهُ أن يقوم الرجل على رَأس الْقَبْر حَتَّى يعزى، وَلَكِن فِي الطَّرِيق إذا رَجَعَ، وَفِي الْبَيْت".
وفي الدر المختار بحاشية ابن عابدين (2/ 241) قال الإمام الحصكفي:
("وَتُكْرَهُ التَّعْزِيَةُ ثَانِيًا، وَعِنْدَ الْقَبْرِ، وَعِنْدَ بَابِ الدَّارِ" قال ابن عابدين معلقا: لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْمَطْلُوبَ هُنَاكَ الْقِرَاءَةُ وَالدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ بِالتَّثْبِيتِ).
قال ابن الحاج المالكي في المدخل (3/ 264):
"وَمَوْضِعُ التَّعْزِيَةِ عَلَى تَمَامِ الْأَدَبِ إذَا رَجَعَ وَلِيُّ الْمَيِّتِ إلَى بَيْتِهِ، وَيَجُوزُ قَبْلَهُ أَعْنِي قَبْلَ الدَّفْنِ وَبَعْدَهُ كَمَا تَقَدَّمَ.
وقال الحطاب في مواهب الجليل (2/ 230):
" فِي مَحَلِّ التَّعْزِيَةِ: وَمَحَلُّهَا فِي الْبَيْتِ، وَإِنْ جُعِلَتْ عَلَى الْقَبْرِ فَوَاسِعٌ، غَيْرَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْأَدَبِ"
وقال الإمام الشافعي في الأم (1/ 317):
"وَالتَّعْزِيَةُ مِنْ حِينِ مَوْتِ الْمَيِّتِ أَنَّ الْمَنْزِلَ، وَالْمَسْجِدَ وَطَرِيقَ الْقُبُورِ، وَبَعْدَ الدَّفْنِ، وَمَتَى عَزَّى فَحَسَنٌ". ويُنظر: المجموع شرح المهذب (5/ 306).
وفي مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود (ص: 190):
"قُلْتُ لِأَحْمَدَ: التَّعْزِيَةُ عِنْدَ الْقَبْرِ؟ قَالَ: أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ ".
يُنظر: الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي (2/ 563).
وعليه؛ فلا بأس بالتعزية على المقابر عند جمهور الفقهاء، وعليه الفتوى.
والله أعلم.
اذا اتممت القراءة شارك بذكر سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم